قواعد وأساسيات تفسير الأحلام: الدرس الخامس
علم تفسير الأحلام له قواعد وأساسيات تُبنى عليها العبارات. وفي هذا الدرس، سنتعمق في الجزء الخامس من هذه الأساسيات، وهو دليل شامل يغطي طرقًا مختلفة لتأويل الرؤى، مثل التأويل بتقسيم أصول المرئيات الى جنس وصنف وطبع وسنبينها في سياق هذه المقالة.
فكل بناء له اساس يبنى عليه حتى يعلو البناء على قدر قوة الاساس ، فإذا كان الاساس ضعيفا فلن يعلوا البناء، وكذلك علم تفسير الأحلام له اساسيات وقواعد تبنى عليها العباره ، وسنتطرق الى الجزء الخامس لهذا الأساس في هذه المقالة .
عجائب أمر الرؤى المنامية:
ومن عجيب أمر الرؤيا أن الشخص يرى في المنام أن نكبة نكبته، وأن خيراً وصل إليه فتصيبه تلك النكية بعينها، ويناله ذلك الخير بعينه، وفي الدراهم إذا رأوها في المنام حصلوا عليها في اليقظة، وفي الوظيفة إذا رأوها وحصلوا عليها في المنام، كان كذلك في الواقع ، وفي الحج إذا رأوه في المنام تحقق لهم الحج في الواقع ، وفى الغائب او المسافر يأتي من سفره في المنام ويكون كذلك في اليقظة، وربما رأى الولد الصغير الشيء في المنام ،ويكون التفسير لأحد أبويه في الواقع، والمرأة ترى الرؤيا فيكون التفسير لزوجها أو لأهل بيتها .
وحكي أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وجه قاضياً إلى الشام، فسار ثم رجع من الطريق، فقال له: ما ردك ؟ قال: رأيت في المنام كأن الشمس والقمر يقتتلان، وكأن الكواكب بعضها مع الشمس وبعضها مع القمر، قال عمر : مع أيها كنت؟ قال: مع القمر، قال: انطلق ، لا تعمل لي عملاً أبدا. ثم قرأ قول الله ( ومحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) [الإسراء: ۱۲]
قلما كان يوم صفين قتل الرجل مع أهل الشام، وقيل أن الرجل هو جابر بن سعيد الطائي.
قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي : كنت عند يزيد بن مزيد، فقال: إني رأيت رؤيا عجيبة ودعا بعابر فقال: رأيت كأني أخذت طيطوى لأذبحه فأمررت السكين على حلقه ثلاث مرات فانقلبت، ثم ذبحته في الرابعة، فقال: رأيت خيراً، هذه بكر عالجتها، فلم تقدر عليها ثلاث مرات ثم قدرت عليها في الرابعة، قال نعم وصغى إليه، فقال في الرؤيا شيء، قال: ما هو ؟ قال : كانت هناك ضريطة من الجارية، قال: صدقت والله، فكيف علمت قال : إن اسم الطائر طيطوى .
فأول حروف طائر الطيطوى ( طيط)
قال ابن قتيبة في الله : يجب على العابر التثبت فيما يرد عليه، وترك التعسف، ولا يأنف من أن يقول لما يشكل عليه لا أعرفه .
وقد كان محمد بن سيرين إمام الناس في هذا الفن، وكان يمسك عن التفسير أكثر مما يفسر.
وحدث الأصمعي عن أبي المقدام أو قرة بن خالد قال : كنت أحضر لإبن سيرين يسأل عن الرؤيا، فكنت أحرزه يعبر من كل أربعين رؤيا واحدة.
وقال ابن قتيبة : على مفسر الاحلام ان يفهم كلام صاحب الرؤيا ويتبين، ثم يعرضها على الأصول، فإن رأيت الرؤيا كلاماً صحيحاً يدل على معاني مستقيمة يشبه بعضها بعضاً عبرت الرؤيا ، بعد مسألتك الله تعالى أن يوفقك للصواب، وإن وجدت الرؤيا تحتمل معنيين متضادين، نظرت أيهما أولى بالفاظها وأقرب من أصولها فحملتها عليه.
وإن رأيت الأصول صحيحة وفى خلالها أمور لا تنتظم، ألقيت حشوها وقصدت الصحيح منها، وإن رأيت الرؤيا كلها مختلطة لا تلتئم على الأصول، علمت أنها من الأضغاث فأعرض عنها.
وإن اشتبه عليك الأمر ، سألت الله تعالى ان يكشف لك معانيها ، ثم تسأل الرجل عن ضميره في سفره إن رأى السفر وفي صيده إن رأى الصيد، وفي كلامه إن رأى الكلام ثم قضيت التفسير بما كان في ضمير الرائي.
فإن لم يكن هناك ضمير حاك في صدر الرائي في منامه ، أخذت بالاشياء على ما بينت لك. وقد تختلف طبائع الناس في الرؤيا ويجرون على عادة فيها فيعرفونها من أنفسهم فيكون ذلك أقوى من الأصل، فافهم ذلك ، فيفسر المفسر على عادة الرجل ويترك الأصل ، وقد تصرف الرؤيا عن أصلها من الشر بكلام الخير والبر وعن أصلها من الخير بكلام الرفث والشر.
فإن كانت الرؤيا تدل على فاحشة وقبيح سترت ذلك، وواريت عنه بأحسن ما تقدر على ذلك من اللفظ وأسررته إلى صاحبها، كما فعل ابن سيرين حين سئل عن الرجل الذي يفقاً بيضا من رأسه فيأخذ بياضه ويدع صفرته. ولم يفسر له ابن سيرين بأنه قواد ( جرار ).
فإنك لست من الرؤبا على يقين وإنما هو حدس وترجيح الظنون، فإذا أنت بدأت السائل بقبيح الحقت به شائبة لعلها لم تكن فيه، ولعلها إن كانت فيه فعلا ، فإنه لن يعود لتفسير رؤياه عندك مره اخرى.
أصل الرؤى المنامية:
واعلم أن أصل الرؤيا جنس وصنف وطبع، •فالجنس: كالشجر والسباع والطير، وهذا كله الأغلب عليه أنه رجال
• والصنف : أن يعلم مفسر الأحلام صنف تلك الشجرة من الشجر، وذلك السبع من السباع، وذلك الطائر من الطيور، فإن كانت الشجرة نخلة كان ذلك الرجل او المرأة من العرب، لأن منابت أكثر النخل هي البلدان العربية، وإن كان الطائر طاووساً كان الشخص من العجم، وإن كان ظليما في اللون، كان بدويا من العرب، لأنه يغلب على لون بشرتهم اللون الحنطي .
• والطبع : أن تنظر ما هو طبع تلك الشجرة، فتفسر للشخص بطبعها(الصفات)، فإن كانت الشجرة شجرة جوز 🥥، فسرت للشخص بطبعها, يعني بالعسر في المعاملة والخصومة عند المناظرة.
وإن كانت نخلة:فسرت بأن الشخص نفاع بالخير ، مخصب سهل حيث يقول الله عز وجل: (كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء )[إبراهيم: ٢٤] يعنى النخلة.
وإن كان طائراً علمت أنه رجل ذو أسفار كحال الطير، ثم تنظر ما طبع ذلك الطير ، فإن كان الطير طاووسا، كان رجلاً أعجميا ذا جمال ومال، وكذلك إن كان نسراً
كان ملكا، وإن كان غراباً كان رجلاً فاسقا غادراً كذابا. لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمس الفواسق ، ومن بينهم الغراب.
ولأن نوحا، عليه السلام، بعث به ليعرف حال الماء أنضب أم لا ، فوجد جيفة طافية على الماء فوقع عليها ولم يرجع، فضرب به المثل، وقيل لمن أبطأ عليك أو ذهب فلم يعد إليك: غراب نوح، وإن كان عقعقا كان رجلاً لا عهد له ولا حفظ ولا دين،
وإن كان عقاباً كان سلطانا مخرباً ظالما عاصيا مهيبا كحال العقاب ومخاليبه وجثته وقوته على الطير وتمزيقه لحومها .
وينبغي لصاحب الرؤيا أن يتحرى الصدق، ولا يدخل في الرؤيا ما لم ير فيها، فيفسد رؤياه ويغش نفسه ويكون عند الله تعالى من الأثمين.
وروي عن على بن أبي طالب الله أنه قال : لا رؤيا للخائف إلا ما يحب، يعني في تأويلها بفرج أمره وذهاب خوفه .
ومن الناس من يرى أنه أصاب وسقا من التمر فيصيب من المال مائة درهم، وآخر قد يرى مثله فيصيب ألف درهم، وأخر برى مثله فهو له حلاوة دينه وصلاحه فيه، وذلك على حسب همة الناس واقدارهم وإيثارهم أمر دينهم.
ومنهم من يرى أنه أصاب من الورق عشرا فيصيب من الورق عشرة دراهم وأخر برى مثله فيصيب ألف درهم، وذلك من مجرى اقدارهم وطبيعتهم.
شاهد أيضا من ايقونة جوجل 👇👇 :
الدرس السادس لقواعد وأساسيات تفسير الأحلام
والحمد لله رب العالمين فإن اصبت فمن الله وإن اخطأت فإني استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم وأتوب اليه والله تعالى بغيبه اعلم واحكم
